ثالثاً : تصريحات فقهاء الشافعية في تحريم نظر الرجل إلى وجه المرأة حتى ولو أمن الفتنة , وأنه المعتمد في مذهبهم , والذي عليه الفتوى :
1- قال الإمام الشيرازي في "المهذب " ( 2/34 ) في فقه الشافعية :
( إذا أراد نكاح امرأة فله أن ينظر وجهها وكفيها .. ويجوز لكل واحد منهما أن ينظر إلى وجه الآخر عند المعاملة لأنه يحتاج إليه المطالبة بحقوق العقد , والرجوع بالعهدة , ويجوز ذلك عند الشهادة , للحاجة إلى معرفتها في التحمل والأداء .. وأما من غير حاجة فلا يجوز للأجنبي أن ينظر إلى الأجنبية , ولا للأجنبية أن تنظر إلى الأجنبي لقوله تعالى : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) الآية ) أ.هـ .
ونلحظ من هذا الكلام أنه لم يبح النظر إلى الأجنبية مطلقاً كما يقول دعاة السفور والتبرج , وإنما قال بإباحته في حالات استثانية لظروف خاصة , مثل إرادة النكاح , وأداء الشهادة .. إلخ
ولو كان الأصل عنده الإباحة لما قال بإنه إذا أراد النكاح وعند الشهادة يجوز النظر إلى وجه المرأة , وقد نص صراحة بأنه في غير الحاجة لا يجوز النظر إلى وجه المرأة ..
2- الإمام النووي (ت:676هـ) في "منهاج الطالبين" وهو من أهم متون المذهب ولأهل المذهب عناية فائقة به بل إن كثيرا منهم على أن الفتوى على ما فيه يقول:
((( ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية وكذا وجهها وكفها عند خوف الفتنة وكذا عند الأمن على الصحيح)).
3- وشرحه الإمام الرملي (ت:1004هـ) في نهاية المحتاج (6/187-188):
(( ( و كذا عند الأمن ) من الفتنة فيما يظنه من نفسه من غير شهوة ( على الصحيح ) ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه و بأن النظر مظنة للفتنة و محرك للشهوة ، فاللائق بمحاسن الشريعة سد الباب و الإعراض عن تفاصيل الأحوال كالخلوة بالأجنبية ، و به اندفع القول بأنه غير عورة فكيف حرم نظره لأنه مع كونه غير عورة نظره مظنة للفتنة أو الشهوة ففطم الناس عنه احتياطا )
فهنا الإمام الرملي يحرم النظر إلى المرأة المنتقبة وليس من كشفت وجهها , وياحسرة دعاة التبرج والسفور على هذا النص المكرم للمرأة أي تكريم , فليست المرأة سلعة رخيصة ينظر إليها كل راحٍ وغادٍ ..
ويقول أيضاً الإمام الرملي الملقب بـ " الشافعي الصغير " في "نهاية المحتاج "( 6/ 199 ) في فقه الشافعية :
( ويباح النظر للوجه فقط لمعاملة - كبيع وشراء – ليرجع بالعهدة ويطالب بالثمن مثلاً , أو شهادة تحملاً وأداء لها وعليها .. قال السبكي : " وعند نكاحها لا بد أن يعرفها الشاهدان بالنسب أو بكشف وجهها لأن التحمل عند النكاح منزل منزلة الأداء " أ.هـ ولو عرفها الشاهد في النقاب لم يحتج إلى الكشف فعليه يحرم الكشف حينئذ إذ لا حاجة إليه .. ومحل جواز ذلك : عند فقد الجنس , ومحرم صالح , وتعذره من وراء حجاب , ووجود مانع خلوة أخذاً مما مر في العلاج ) انتهى
قال الشيخ عبدالله رمضان موسى في كتابه " الرد ( 2/ 729 ) معلقاً على كلام الرملي :
فالإباحة إنما تكون بشروط :
-وذلك عند فقد الجنس , يعني عندما المرأة لا تجد امرأة أخرى من جنسها لتتعامل معها بحيث تقضي الحاجة .
-عند فقد محرم صالح , يعني إذا لم تجد المرأة رجلاً من محارمها يقضي لها حاجتها .
-عند تعذر قضاء حاجتها من وراء حجاب , يعني عندما لا يمكنها القضاء من وراء حجاب يحجبها ويسترها عن أعين الرجال .
وقول الإمام النووي (ت:676هـ) في "منهاج الطالبين" :
((( ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية وكذا وجهها وكفها عند خوف الفتنة وكذا عند الأمن على الصحيح)).
ونلاحظ هنا ثلاث مسائل من قوله :
المسألة الأولى : تحريم النظر عند خوف الفتنة – بإجماع أهل العلم :
1- ومن ذلك قول إمام الحرمين الجويني ( 419- 478 هـ ) في موسوعته الفقهية " نهاية المطالب " ( 12/ 31) :
( النظر إلى الوجه والكفين يحرم عند خوف الفتنة إجماعاً )
2- وقال العلامة زين الدين زكريا الأنصاري في " أسنى المطالب شرح روض الطالب " :
( أما النظر والإصغاء لما ذكر عند خوف الفتنة .. فحرام وإن لم يكن عورة للإجماع , ولقوله تعالى : ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ) وقوله : ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ) ) انتهى .
3- وكذلك قال شهاب الدين ابن حجر الهيتمي في كتابه " تحفة المحتاج في شرح المنهاج " ( 7/ 1943) – وهو شرح منهاج الطالبين للنووي في فقه الشافعية :
( ويحرم نظر فحل .. إلى عورة حرة .. وكذا وجهها .. وكفها .. عند خوف الفتنة إجماعاً.. وكذا عند النظر بشهوة بأن يلتذ به , وإن أمن الفتنة قطعاً . وكذا عند أمن الفتنة – فيما يظن نفسه – وبلاشهوة على الصحيح , ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ) انتهى .
قال الشيخ عبدالله رمضان موسى في كتابه " الرد" معلقاً على قول ابن حجر الهيتمي السابق :
( فمن ينظر إلى امرأة ليرى حسن وجهها فهذا هو النظر بتلذذ , وهذا محرم قطعاً عندهم وإن أمن صاحبه الفتنة بحسنها , يعني : وإن تأثر وتعلق قلبه وعقله بحسن وجهها فالنظر حرام أيضاً ) .
4- وكذلك قال العلامة الرملي الملقب بـ" الشافعي الصغير " في " نهاية المحتاج " ( 6/ 188 ) : ( ويحرم نظر .. بالغ .. إلى عورة حرة .. وكذا وجهها أو بعضه ولو بعض عينيها , وكفها – أي كل كف منها , وهو من رأس الأصابع إلى المعصم – عند خوف الفتنة إجماعاً " انتهى .
5- وكذلك قال العلامة شمس الدين الخطيب الشربيني الشافعي في كتابه في الفقه الشافعي " الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع " ( 3/ 373 ) :
( وأما نظره إلى الوجه والكفين فحرام عند خوف فتنة تدعو إلى الاختلاء بها لجماع أو مقدماته بالإجماع كما قاله الإمام ) انتهى
المسألة الثانية : تحريم النظر عند الأمن من الفتنة وبغير شهوة :
1- وقد صرح الإمام النووي بأن هذا هو الصحيح في مذهبهم حيث قال في كتابه الذي هو من أعمدة فقه الشافعية " منهاج الطالبين " ص95 :
((( ويحرم نظر فحل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية وكذا وجهها وكفها عند خوف الفتنة وكذا عند الأمن على الصحيح)).
2- وفي الإقناع للعلامة شمس الدين الخطيب الشربيني (ت:977هـ) ( 3/ 373 ) :
( ولو نظر إليهما بشهوة وهي قصد التلذذ بالنظر المجرد وأمن الفتنة حرم قطعاً، وكذا يحرم النظر إليهما عند الأمن من الفتنة فيما يظهر له من نفسه من غير شهوة على الصحيح كما في المنهاج كأصله....وقال البلقيني: " الترجيح بقوّة المدرك والفتوى على ما في المنهاج" اهـ وكلام المصنف شامل لذلك وهو المعتمد).
3- وقال الإمام المليباري الفناني الهندي (ت:928هـ) في كتابه "فتح المعين شرح قرة العين" ( 3/ 298 – 301) :
( يحرم على الرجل - ولو كان شيخا هما - تعمد نظر شئ من بدن الأجنبية حرة أو أمة بلغت تشتهى فيه ولو شوهاء أو عجوزا .. وإن نظر بغير شهوة أو مع أمن الفتنة – على المعتمد )انتهى
4- وهو قول الاصطخري والطبري والشيرازي وأبو محمد والروياني , ففي كفاية الأخيار للإمام الحصني الدمشقي (ت:829هـ) يقول (ص41-42):
( الضرب الأول أن لا تمس إليه الحاجة. فحينئذ يحرم نظر الرجل إلى عورة المرأة الأجنبية مطلقاً، وكذا يحرم إلى وجهها وكفيها إن خاف فتنة، فإن لم يخف ففيه خلاف الصحيح التحريم، قاله الاصطخري وأبو علي الطبري، واختاره الشيخ أبو محمد، وبه قطع الشيخ أبو إسحق الشيرازي والروياني، ووجهه الإمام باتفاق المسلمين على منع النساء من الخروج حاسرات سافرات، وبأن النظر مظنة الفتنة وهو محرك الشهوة فالأليق بمحاسن الشرع سد الباب والاعراض عن تفاصيل الأحوال كما تحرم الخلوة بالأجنبية، ويحتج له بعموم قوله تعالى {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} )انتهى
5- قال الإمام المنهاجي الأسيوطي (ت:807هـ) في جواهر العقود (2/4):
((ويحرم نظر الفحل البالغ إلى الوجه والكفين من الحرة الكبيرة الأجنبية عند خوف الفتنة وكذا عند الأمن في أولى الوجهين)).
6- ويقول جلال الدين السيوطي في (تفسير الجلالين ):
(((زينتهن إلا ما ظهر منها) وهو الوجه والكفان فيجوز نظره لأجنبي إن لم يخف فتنة في أحد وجهين والثاني يحرم لأنه مظنة الفتنة ورجح حسما للباب)) ا.هـ.
المسألة الثالثة : قول النووي هو قول جمهور الشافعية :
1- قال الإمام تقي الدين السبكي – وهو من كبار فقهاء الشافعية - : (الأقرب إلى صنع الأصحاب: أن وجهها وكفيها عورة في النظر لا في الصلاة) . ( "مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج " 4/ 209 , " نهاية المحتاج " 6/ 187 )
2- وصرح الإمام الأذرعي – وهو من كبار أئمة الشافعية – في كتابه " التوسط " بأن التحريم الذي ذكره النووي في " المنهاج" هو قول الجمهور .
3- وقال الإمام الرملي في " أسنى المطالب شرح روض الطالب " : ( فتوى النووي بأنه يحرم على المسلمة كشف وجهها .. المدرك مع ما في " المنهاج " , كما أن الفتوى عليه . قوله : " والفتوى على ما في المنهاج " – قال في " التوسط " : بل الظاهر أنه اختيار الجمهور )
4- وقال الإمام الأمير الصنعاني في كتابه " العدة "( 4/ 241) : ( النووي .. قال .. : .. الصحيح الذي عليه الجمهور وأكثر أصحابنا أنه يحرم على المرأة النظر إلى الأجنبي كما يحرم نظره إليها ..
قلت ( القائل هو الصنعاني ) : وعرفت من سياقه أنه مذهب الجمهور ) انتهى
آخر تعديل د. محمد الحميد يوم 10-06-09 في 02:09 AM.