الشبهة الثانية :
قال العلامة الدردير (ت:1201هـ) في الشرح الصغير المسمى "أقرب المسالك إلى مذهب مالك "
( و ) عورة الحرة ( مع رجل أجنبي ) : منها - أي ليس بمحرم لها - جميع البدن غير الوجه والكفين : وأما هما فليسا بعورة )أ.هـ .
فقالوا : مذهب المالكية هو أنه وجه المرأة ليس عورة ويجوز لها أن تكشف وجهها , فيا أيها المتشددون كفاكم مزايدة على الحقائق .
الجواب :
أولاً : هل التحريف للنص السابق مقصود أو لا ؟!
النص السابق احتج به من أجاز تبرج المرأة وسفورها .
وعند رجوع الشيخ عبدالله رمضان موسى إلى النص سابق من نفس المرجع والجزء والصفحة , وجد التالي :
قال العلامة الدردير (ت:1201هـ) في الشرح الصغير المسمى "أقرب المسالك إلى مذهب مالك (1/ 289 ) :
((و عورة الحرة مع رجل أجنبي منها - أي ليس بمحرم لها - جميع البدن غير الوجه والكفين , وأما هما فليسا بعورة . وإن وجب عليها سترهما لخوف فتنة ).
فهل رأيتم كيف أسقطوا نصاً مهماً ؟!
ولو نقلوه لما استطاعوا أن يقولوا أن مذهب المالكية جواز كشف المرأة لوجهها , وهذه الإشكالية تنشئ من قبل أن الباحث للمسألة يعتقد اعتقاداً أو يرى رأياً ثم يبحث عن أي شيء يستدل به على اعتقاده ورأيه , فيصنع من اللاشيء شيء بل يصنع منه شيئاً أساسياً بل يجعله في منزلة الأصل وغيره الشاذ , وهكذا صنعوا .
والمفترض من الباحث أن يكون بحثه المقصود منه الوصول إلى الصواب , لا أن يبحث عن شيء يوافق هواه , وما درج عليه , ونشأ ومات عليه .
ثانياً : قد بينّا سابقاً عن جماعة من علماء وفقهاء المذهب المالكي يرون أن وجه المرأة عورة .
ثالثاً : قد بيناً سابقاً المشهور في المذهب أنه إذا خيف الفتنة من وجه المرأة أو كان النظر للتلذذ فيجب على المرأة ستر وجهها .
الشبهة الثالثة :
قال الإمام النفراوي (ت:1120هـ) في الفواكه الدواني:
(وأن عورة الحرة مع الذكور المسلمين الأجانب جميع جسدها إلا وجهها وكفيها ، ومثل الأجانب عبدها إذا كان غير وغد سواء كان مسلما أو كافرا فلا يرى منها الوجه والكفين ، وأما مع الكافر غير عبدها فجميع جسدها حتى الوجه والكفين ).
فقالوا : مذهب المالكية أن وجه والمرأة وكفيها ليسا عورة عند الرجل المسلم , وعورة عند الرجل الكافر , ولهذا يجوز أن تكشف المرأة وجهها ((مطلقاً)) بلا تحديد ولا تقييد .
الجواب
أولاً : قد بينّا سابقاً عن جماعة من علماء وفقهاء المذهب المالكي يرون أن وجه المرأة عورة .
ثانياً : من المتفق عليه أن الطرقات والأسواق والمواصلات لا تخلو من كافر يهودي أو نصراني أو غيرهم ممن ليسوا مسلمين , ووبناءاً على هذا الرأي , فلايجوز للمرأة أن تكشف وجهها في الطرقات والأسواق لأن الطرقات قد لا تخلو من الكفار .
لاسيما أن التصوير في الطرقات والشوارع منتشر في هذا الزمان , فلهذا لايمكن تطبيق هذا الرأي إلا بتغطية المرأة لوجهها .
ثالثاً : بناءاً على هذا الرأي : فإن المذهب المالكي يحرم على المرأة الخروج في التلفاز سافرة الوجه لأنه سيرى وجهها الآلاف من الكفار , فهل أحد من دعاة السفور والتبرج يرى بهذا الرأي ؟!
فإن لم يروا بهذا الرأي فلا يحق لهم أن يحتجوا بهذه الآراء على رأيهم .
رابعاً : بناءاً على هذا الرأي : فلا يجوز للنساء المسلمات المبتعثات إلى ديار الكفر أو المقيمات في ديار الكفر كشف وجوههن لأن وجه المرأة وكفيها عورة أمام الرجل الأجنبي الكافر .
فهل أحد من دعاة السفور والتبرج يرى بهذا الرأي ؟!
خامساً : من قال من فقهاء المالكية بأن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة فقد أوجب عليها ستر وجهها عند خوف الفتنة , وقد ذكرنا سابقاً أن المشهور والمعتمد في المذهب المالكي هو وجوب ستر المرأة وجهها وكفيها عند خوف الفتنة , بل أبعد من ذلك , فقد أوجبوا على المرأة أن تستر وجهها إذا تلذذ أحد بوجهها , وكان عدد النقول في إيضاح هذا المبحث ما يقارب الـ ( 30 ) نقلاً , ولزيادة التوضيح هاهي نصوص من رأى أنه وجهها ليس بعورة وقيده بأمن الفتنة وبغير لذة أو شهوة أو استدركه بإيجاب ستر المرأة وجهها عند خوف الفتنة أو قصد اللذة :
قال الإمام الخرشي (ت:1101هـ) في شرحه لمختصر خليل:
(والمعنى أن عورة الحرة مع الرجل الأجنبي جميع بدنها حتى دلاليها وقصتها ما عدا الوجه والكفين ظاهرهما وباطنهما فيجوز النظر لهما بلا لذة ولا خشية فتنة من غير عذر ولو شابة ).
قال الشيخ عليش (ت:1299هـ) في منح الجليل:
( مع رجل ( أجنبي ) مسلم جميع جسدها ( غير الوجه والكفين ) ظهرا وبطنا فالوجه والكفان ليسا عورة فيجوز لها كشفهما للأجنبي وله نظرهما إن لم تخش الفتنة فإن خيفت الفتنة به فقال ابن مرزوق مشهور المذهب وجوب سترهما )
وجاء في شرح ذلك في الدر الثمين والمورد المعين لمحمد المالكي الشهير بميارة (ت:1156هـ) :
(وعورة الحرة مع الرجل الأجنبي جميع بدنها إلا الوجه والكفين فليسا بعورة وتحريم النظر إليهما إنما هو لخوف الفتنة لا لكونهما عورة).
قال الشيخ صالح الآبي: "عورة الحرة مع رجل أجنبي مسلم جميع بدنها غير الوجه والكفين ظاهراً وباطناً ، فالوجه والكفان ليسا عورة ، فيجوز كشفهما ، وله نظرهما إن لم تُخشَ الفتنة. فإن خيفت الفتنة فقال ابن مرزوق: مشهور المذهب وجوب سترهما....وإلى أن قال:" وأما الأجنبي الكافر فجميع جسدها حتى وجهها وكفيها عورة" جواهر الإكليل (1/ 41)
قال العلامة الصاوي (ت:1241هـ) في حاشيته "بغية السالك لأقرب المسالك":
( قوله : [ مع رجل أجنبي ] : أي مسلم سواء كان حرا أو عبدا ولو كان ملكها ما لم يكن وخشا ، وإلا فكمحرمها . ومثل عبدها في التفصيل مجبوب زوجها .
قوله : [ غير الوجه والكفين ] إلخ : أي فيجوز النظر لهما لا فرق بين ظاهرهما وباطنهما بغير قصد لذة ولا وجدانها ، وإلا حرم . وهل يجب عليها حينئذ ستر وجهها ويديها ؟ وهو الذي لابن مرزوق قائلا : إنه مشهور ).
في موسوعة فقه العبادات في المذهب المالكي(1/143) :
( ثانياً : العورة خارج الصلاة :
عورة المرأة الحرة البالغة :
3 - مع محارمها الرجال : جميع بدنها عدا الرأس والعنق واليدين والقدمين فيحرم عليها كشف صدرها أو ساقها ويحرم على محارمها النظر إلى ذلك وإن لم يلتذ
4 - مع الرجل الأجنبي ( ليس بمحرم لها ) : جميع بدنها عدا الوجه والكفين فإنهما ليس من العورة لكن يجب سترهما لخوف الفتنة ...
5 - مع الرجل الأجنبي الكافر : كلها عورة بما في ذلك الوجه والكفين
وصوت المرأة ليس بعورة لأن نساء النبي صلى الله عليه و سلم كن يكلمن الصحابة وكانوا يستمعون منهن أحكام الدين ولكن يحرم سماع صوتها إن خيفت الفتنة ولو بتلاوة القرآن )
قال الإمام النفراوي (ت:1120هـ) في "الفواكه الدواني في شرح رسالة أبي زيد القيرواني" ( 2/ 277 ) في المذهب المالكي :
( اعلم أن المرأة إذا كان يخشى من رؤيتها الفتنة وجب عليها ستر جميع جسدها حتى وجهها وكفيها ...وأقول : الذي يقتضيه الشرع وجوب سترها وجهها في هذا الزمان ، لا لأنه عورة وإنما ذلك لما تعورف عند أهل هذا الزمان الفاسد أن كشف المرأة وجهها يؤدي إلى تطرق الألسنة إلى قذفها ، وحفظ الأعراض واجب كحفظ الأديان والأنساب وحرر المسألة )أ.هـ.
وإننا لنتساءل ونقول :
كم من الرجال في زماننا يتلذذون بالنظر إلى وجوه النساء في الطرقات والأسواق والفضائيات.
فهل يصح بعد هذا أن نحتج بهذه الأقوال على جواز سفور المرأة وتبرجها ؟!
لذلك نقل الفقهاء - على مر العصور – إجماع المسلمين على منع النساء من الخروج مكشوفات الوجوه , وحاجتنا إلى هذا المنع أشد في عصرنا هذا , حيث لا تسلم المرأة من نظر أهل الفسق والفجور وضعاف النفوس الذين امتلأت بهم الطرقات والمواصلات .
قال العلامة القرآني المالكي الشنقيطي، رحمه الله في أضواء البيان:
( وبالجملة فإن المنصف يعلم أنه يبعد كل البعد أن يأذن الشارع للنساء في الكشف عن الوجه أمام الرجال الأجانب مع أن الوجه هو أصل الجمال، والنظر إليه من الشابة الجميلة هو أعظم مثير للغرائز البشرية وداعٍ إلى الفتنة والوقوع فيما لا ينبغي، ألم تسمع بعضهم يقول:
قلت اسمحوا لي أن أفوز بنظرةٍ
ودعوا القيامة بعد ذاك تقوم
أترضى أيها الإنسان أن تسمح له بهذه النظر إلى نسائك وبناتك وأخواتك ) [6/599-602])
الخلاصة
أولاً : قول جماعة من مذهب المالكية هو أن وجه المرأة عورة.
ثانياً : المشهور والمعتمد في المذهب أنه إذا خيف الفتنة من وجه المرأة أو كان النظر للتلذذ , فيجب على المرأة ستر وجهها , وكان عدد النقول في إيضاح هذا المبحث ما يقارب الـ ( 30 ) نقلاً .
ثالثاً: من فقهاء المالكية من قال : بأن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة بالنسبة للرجل المسلم , وعورة بالنسبة للرجل الكافر , وهنا وقفات :
- أن هؤلاء الفقهاء أوجبوا عليها ستر وجهها عند خوف الفتنة أو قصد اللذة أو الشهوة بالنظر إليها , وقد بينّا تقييدهم لذلك .
- من المتفق عليه أن الطرقات والأسواق والمواصلات لا تخلو من كافر يهودي أو نصراني أو غيرهم ممن ليسوا مسلمين , وبناءاً على هذا الرأي , فلايجوزللمرأة أن تكشف وجهها في الطرقات والأسواق لأن الطرقات قد لا تخلو من الكفار.
لاسيما وأن التصوير للناس في الطرقات والشوارع منتشر في هذا الزمان , فلايمكن حينئذ تطبيق هذا الرأي إلا بتغطية المرأة لوجهها .
- بناءاً على هذا الرأي : فإن المذهب المالكي يحرم على المرأة الخروج في التلفاز سافرة الوجه لأنه سيرى وجهها الآلاف من الكفار , فهل أحد من دعاة السفور والتبرج يرى بهذا الرأي ؟!
- بناءاً على هذا الرأي : فلا يجوز للنساء المسلمات المبتعثات إلى ديار الكفر أو المقيمات في ديار الكفر كشف وجوههن لأن وجه المرأة وكفيها عورة أمام الرجل الأجنبي الكافر .
فهل أحد من دعاة السفور والتبرج يرى بهذا الرأي ؟!
- إننا لنتساءل ونقول :
كم من الرجال في زماننا يتلذذون بالنظر إلى وجوه النساء في الطرقات والأسواق والفضائيات !
فهل يصح بعد هذا أن نحتج بهذه الأقوال على جواز سفور المرأة وتبرجها ؟!
ولذلك نقل الفقهاء - على مر العصور – إجماع المسلمين على منع النساء من الخروج مكشوفات الوجوه , وحاجتنا إلى هذا المنع أشد في عصرنا هذا , حيث لا تسلم المرأة من نظر أهل الفسق والفجور وضعاف النفوس الذين امتلأت بهم الطرقات والمواصلات .
رابعاً : نص الإمام مالك –رحمه الله- وغيرهم من فقهاء المالكية ينصرف إلى الإباحة في حال الضرورة والحاجة , فالضرورة لها أحكامها مثل اضطرارها لكشف وجهها عند الشهادة والخطبة والعلاج وغيرها , وعلى هذا مذهب الإمام مالك , وفي المذهب التفريق بين المرأة الشابة والمتجالة -أي الكبيرة في السن والتي لاتميل إليها نفس الناظر - فالمتجالة يجوز كشفها لوجهها ولو من غير حاجة أو ضرورة , والشابة لايجوز لها ذلك إلا لحاجة أو ضرورة, وفي آخره نقل للإمام النفراوي هو خلاصة المذهب المالكي في هذا المبحث.
وبهذا يعلم أن الإمالك ومذهب المالكية لايرون بجواز سفور المرأة وتبرجها كما يقوله دعاة التبرج والسفور , بل يرون بوجوب ستر المرأة لوجهها .
تم المقصود منه والحمد لله
والله المستعان , وعليه التكلان ولاحول ولاقوة إلا بالله العلي العظيم
آخر تعديل د. محمد الحميد يوم 28-03-10 في 02:20 AM.