الجواب
إعداد موقع شبهات وبيان
لابد من التفريق بين اللقاء العابر والمحدود وبين اللقاء المتكرر أوالمنظم ..
تعريف الاختلاط الممنوع هو ما تكرر أو نظم فيه اجتماع الرجال بالنساء الأجنبيات مباشرة مع إمكان التحرز منه . ومما يُعرف به الاختلاط الممنوع :
- أنه يؤدي إلى زوال الكلفة بين الرجال والنساء .
- أنه يكثر من خلاله العلاقات المحرمة .
- أنه يؤدي إلى الخلوة بالمرأة الأجنبية .
- أنه يؤدي إلى تلاصق وتزاحم بالأجساد .
تعريف اللقاء العابر هو لقاء محدود لا تزول به ( الكلفة ) وتلتزم فيه المرأة بالضوابط الشرعية في التعامل مع الرجال الأجانب مثل قضاء حاجة سريعة كسؤال عن متاع أو استفتاء وسؤال عن حاجة و بيع و شراء ونحوه .
فأما اللقاء العابر المحدود بين الرجل والمرأة عند الحاجة أو السؤال فإنه يجوز بشرط غض البصر واحتجاب المرأة وعدم خضوعها بالقول ..
وأما عند اللقاء الدائم , فيستحيل أن تتوفر هذه الشروط , فالفتنة واقعة لا محالة , فلا بد إذن من التخفيف منها بإبعاد الرجال عن النساء على قدر الاستطاعة ..
وفي حديث بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: ( يا عَلِيُّ لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ فإن لك الْأُولَى وَلَيْسَتْ لك الْآخِرَةُ)( رواه أبو داود(2149) وصححه ابن حبان(5570)).
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله :
( فكيف يحصل غض البصر وحفظ الفرج وعدم إبداء الزينة عند نزول المرأة ميدان الرجال واختلاطها معهم في الأعمال ؟ والاختلاط كفيل بالوقوع في هذه المحاذير .
وكيف يحصل للمرأة المسلمة أن تغض بصرها وهي تسير مع الرجل الأجنبي جنبا إلى جنب بحجة أنها تشاركه في الأعمال أو تساويه في جميع ما يقوم به ؟ ). انتهى
ولهذا فعند اللقاء الدائم فإن يبذل الجهد ويستفرغ الوسع بإبعاد الرجال عن النساء قدر المستطاع , وحتى تتضح الصورة سأضرب على ذلك مثال عظيم فرق بين اللقاء العابر المحدود واللقاء المتكرر أو المنظم في أوضح صورة وأظهر بيان ..
قال الله تعالى :
(ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتي يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل )
قال الإمام الماوردي في النكت والعيون :
({ قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعآء } ...
وفي امتناعهما من السقي حتى يصدر الرعاء وجهان :
أحدهما : تصونا عن الاختلاط بالرجال .
الثاني : لضعفهما عن المزاحمة بماشيتهما .
{ وأبونا شيخ كبير } وفي قولهما ذلك وجهان
: أحدهما : أنهما قالتا ذلك اعتذارا إلى موسى عن معاناتهما سقي الغنم بأنفسهما .
الثاني : قالتا ذلك ترقيقا لموسى ليعاونهما ). (3/270)
وقال الإمام ابن عجيبة في البحر المديد في تفسير القرآن المجيد :
( { قالتا لا نسقي } ... والمعنى : لا نستطيع مزاحمة الرجال ، فإذا صدروا سقينا مواشينا ..
...ووجه مطابقة جوابهما سؤاله : أنه سألهما عن سبب الذود ، فقالتا : السبب في ذلك أن امرأتان مستورتان ضعيفتان ، لا نقدر على مزاحمة الرجال ، ونستحي من الاختلاط بهم ، فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا).
(4/422)
فاللقاء المتكرر هو اختلاط المرأتين بالرجال عند السقي .. ولهذا تباعدتا المرأتين تصوناً عن الاختلاط بالرجال , ولم تسقيان حتى يفرغ الرجال من السقي , وعللتا سبب خروجهما بأن أباهما شيخ كبير لايستطيع القيام بالسقي , فهذا هو الممنوع ويجتهد فيه بإبعاد الرجال عن النساء قدر المستطاع ..
وقد فقه علماء الأمة ذلك من نصوص الوحيين , فكان مماقالوا على سبيل المثال لا الحصر ..
قال صلى الله عليه وسلم ( طوفـي من وراء الناس) قال العلماء : ( لأن سنة النساء التبـاعد عن الرجال فـي الطواف )
( انظر شرح الزرقاني على موطأ مالك كتاب الحج 2/ 311, وانظر شرح النووي على صحيح مسلم , وانظر حاشية السندي على البخاري باب طواف النساء مع الرجال 1/ 51 )
وقال القاضي عياض: ( أمرنا بالمباعدة من أنفاس الرجال والنساء وكانت عادته صلى الله عليه وسلّم مباعدتهن ليقتدي به ) ( شرح النووي على صحيح مسلم كتاب السلام 14(136)
وقال الحافظ ابن حجر :
( فيستفاد منه الحث على إبعاد الأجنبي من الأجنبية مهما أمكن، لأن العشرة قد تفضي إلى الفساد، ويتسور بها الشيطان إلى الإفساد) .( فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب الحدود 14/100 )
وقال الإمام ابن العربي :
( فإن المرأة لا يتأتى منها أن تبرز إلى المجلس ، ولا تخالط الرجال ، ولا تفاوضهم مفاوضة النظير للنظير ؛ لأنها إن كانت فتاة حرم النظر إليها وكلامها ، لأن كانت بَرْزَة لم يجمعها والرجال مجلس واحد تزدحم فيه معهم ، وتكون مناظرة لهم ؛ ولن يفلح قط من تصور هذا ولا من اعتقده) .( تفسير القرطبي (13/183))
وقال الإمام ابن بطال :
( (1)/216 - فيه: عائشة: كان عليه السلام، يصلي الصبح بغلس، فتنصرف نساء المؤمنين، لا يعرفن من الغلس، أو لا يعرف بعضهن بعضا.
هذه السنة المعمول بها أن تنصرف النساء فى الغلس قبل الرجال ليخفين أنفسهن، ولا يتبين لمن لقيهن من الرجال، فهذا يدل أنهن لا يقمن فى المسجد بعد تمام الصلاة، وهذا كله من باب قطع الذرائع، والتحظير على حدود الله، والمباعدة بين الرجال والنساء خوف الفتنة ودخول الحرج، ومواقعة الإثم فى الاختلاط بهن) .
واللقاء العابر هو التقاء المرأتين بموسى عليه السلام .. وهذا هو الذي يشترط فيه غض البصر والحجاب وعدم الخضوع بالقول والحياء .. إلخ
قال الشيخ سليمان الماجد :
( الاختلاط المحرم مرجعه إلى ثلاث صور:
الأولى: الذي يمسُّ فيه جسدُ المرأة جسدَ الرجل؛ إذ لا يشك عاقل أن المس أشد فتنة من مجرد سماع صوت الخلخال...
الثانية: الاختلاط الذي يحقق الخلوة بين المرأة والرجل ...
الثالثة: دوامُ مُكث الرجل مع المرأة الأجنبية في مكانٍ واحد، ولو لم تتحقق الخلوة، مثل مكاتب الموظفين في دوامها المستمر يومياً ؛ إذ لا يشك عاقل أن خلوة المرأة مع الرجل خمس دقائق أو ربع ساعة (وهو محرّم) ليس أخطر عليهما من ذلك المكث الطويل المستمر، وما يسهّله هذا الاجتماعُ المستمر من تبادل الحديث بينهما، وما يحققه من الغفلة عن التحفظ من أسباب الوقوع في شراك الفتنة ، وما يؤدي إليه من توسيع مداخل الشيطان بينهما. لا يشك عاقلٌ منصف مبتغٍ للحق في أن هذا اللقاء الدائم، أخطر من خلوة قصيرة، ومن تزاحم لحظة على باب مسجد أو خلال الطواف بالبيت، ومن خضوع بالقول مرّة، ومن قرقعة صوت الخلخال في طريق من طرق المسلمين!! ) انتهى.
وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء) رواه البخاري ومسلم. فوصفهن بأنهن فتنة فكيف يجمع بين الفاتن والمفتون.
قال الإمام المجتهد ابن عبدالبر :
( وفـيه دلـيل علـى أن الإمام يجب علـيه أن يحول بـين الرجال والنساء فـي التأمل والنظر، وفـي معنى هذا منع النساء اللواتـي لا يؤمن علـيهن ومنهن الفتنة من الـخروج والـمشي فـي الـحواضر والأسواق، وحيث ينظرن إلـى الرجال). (التمهيد 9/ 122)